كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هنا يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه إلى إعلان الإيمان بدين الله الواحد، ممثلًا في كل ما جاء به الرسل أجمعين. وأن الله لا يقبل من البشر جميعًا إلا هذا الدين: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
فأما الذين لا يؤمنون بهذا الدين فلا مطمع لهم في هداية الله. ولا في النجاة من عقابه. إلا أن يتوبوا. وأما الذين يموتون وهم كفار فلن ينفعهم أن يكونوا قد بذلوا، ما بذلوا ولن ينجيهم أن يفتدوا بملء الأرض ذهبًا! وبمناسبة البذل والفداء يحبب للمسلمين أن ينفقوا مما يحبون من مال في هذه الدنيا، ليجدوه عند الله مدخرًا يوم القيامة: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم}.
وهكذا يستعرض هذا الشوط الواحد هذا الحشد من الحقائق والتوجيهات. وهو شوط في المعركة الضخمة التي تعرضها السورة، دائرة بين الجماعة المسلمة وأعداء هذا الدين. من وراء القرون. وهي ذاتها المعركة الدائرة اليوم، لا تختلف فيها الأهداف والغايات، وإن اختلفت أشكال الوسائل والأدوات.. وهي هي في خطها الطويل المديد..
فلننظر في النصوص- بعد هذا الإجمال- نظرة استيعاب وتفصيل: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلاّ من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}.
قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي- مولى زيد بن ثابت- حدثني سعيد بن جبير- أو عكرمة- عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده. فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديًا. وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيًا. فأنزل الله تعالى: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم} الآية.
وسواء كانت هذه هي مناسبة نزول الآية أو لم تكن، فظاهر من نصها أنها نزلت ردًا على ادعاءات لأهل الكتاب، وحجاج مع النبي صلى الله عليه وسلم أو مع بعضهم البعض في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم والهدف من هذه الادعاءات هو احتكار عهد الله مع إبراهيم عليه السلام أن يجعل في بيته النبوة؛ واحتكار الهداية والفضل كذلك. ثم- وهذا هو الأهم- تكذيب دعوى النبي صلى الله عليه وسلم أنه على دين إبراهيم، وأن المسلمين هم ورثة الحنيفية الأولى؛ وتشكيك المسلمين في هذه الحقيقة، أو بث الريبة في نفوس بعضهم على الأقل..
ومن ثم يندد الله بهم هذا التنديد؛ ويكشف مراءهم الذي لا يستند إلى دليل.
فإبراهيم سابق على التوراة وسابق على الإنجيل. فكيف إذن يكون يهوديًا؟ أو كيف إذن يكون نصرانيًا؟ إنها دعوى مخالفة للعقل، تبدو مخالفتها بمجرد النظرة الأولى إلى التاريخ: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون}.
ثم يمضي في التنديد بهم؛ وإسقاط قيمة ما يدلون به من حجج وكشف تعنتهم وقلة اعتمادهم على منهج منطقي سليم في الجدل والحوار: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
وقد جادلوا في أمر عيسى عليه السلام؛ كما يبدو أنهم جادلوا في بعض الأحكام التشريعية حين دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم، ثم تولوا وهم معرضون.. وكان هذا وذاك في دائرة ما يعلمون من الأمر، أما أن يجادلوا فيما هو سابق على وجودهم، ووجود كتبهم ودياناتهم.. فهو الأمر الذي لا سند له ولو كان سندًا شكليًا.. فهو الجدل إذن لذات الجدل. وهو المراء الذي لا يسير على منهج، وهو الغرض إذن والهوى.. ومن كان هذا حاله فهو غير جدير بالثقة فيما يقول. بل غير جدير بالاستماع أصلا لما يقول!
حتى إذا انتهى السياق من إسقاط قيمة جدلهم من أساسه، ونزع الثقة منهم ومما يقولون، عاد يقرر الحقيقة التي يعلمها الله. فهو سبحانه الذي يعلم حقيقة هذا التاريخ البعيد؛ وهو الذي يعلم كذلك حقيقة الدين الذي نزله على عبده إبراهيم. وقوله الفصل الذي لا يبقى معه لقائل قول؛ إلا أن يجادل ويماري بلا سلطان ولا دليل: {ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين}.
فيؤكد ما قرره من قبل ضمنًا من أن إبراهيم عليه السلام ما كان يهوديًا ولا نصرانيًا. وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده. ويقرر أنه كان مائلًا عن كل ملة إلا الإسلام. فقد كان مسلمًا.. مسلمًا بالمعنى الشامل للإسلام الذي مر تفصيله وبيانه..
{وما كان من المشركين}.
وهذه الحقيقة متضمنة في قوله قبلها {ولكن كان حنيفًا مسلمًا}.. ولكن إبرازها هنا يشير إلى عدة من لطائف الإشارة والتعبير:
يشير أولًا إلى أن اليهود والنصارى- الذين انتهى أمرهم إلى تلك المعتقدات المنحرفة- مشركون.. ومن ثم لا يمكن أن يكون إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا. ولكن حنيفًا مسلمًا!
ويشير إلى أن الإسلام شيء والشرك شيء آخر. فلا يلتقيان. الإسلام هو التوحيد المطلق بكل خصائصه. وكل مقتضياته. ومن ثم لا يلتقي مع لون من ألوان الشرك أصلًا.
ويشير ثالثًا إلى إبطال دعوى المشركين من قريش كذلك أنهم على دين إبراهيم، وسدنة بيته في مكة.. فهو حنيف مسلم، وهم مشركون.
{وما كان من المشركين}!
وما دام أن إبراهيم عليه السلام كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين، فليس لأي من اليهود أو النصارى- أو المشركين أيضا- أن يدعي وراثته، ولا الولاية على دينه، وهم بعيدون عن عقيدته.
والعقيدة هي الوشيجة الأولى التي يتلاقى عليها الناس في الإسلام. حين لا يلتقون على نسب ولا أرومة ولا جنس ولا أرض، إذا أنبتت تلك الوشيجة التي يتجمع عليها أهل الإيمان. فالإنسان في نظر الإسلام إنسان بروحه. بالنفخة التي جعلت منه إنسانًا. ومن ثم فهو يتلاقى على العقيدة أخص خصائص الروح فيه. ولا يلتقي على مثل ما تلتقي عليه البهائم من الأرض والجنس والكلأ والمرعى والحد والسياج! والولاية بين فرد وفرد، وبين مجموعة ومجموعة، وبين جيل من الناس وجيل، لا ترتكن إلى وشيجة أخرى سوى وشيجة العقيدة. يتلاقى فيها المؤمن والمؤمن. والجماعة المسلمة والجماعة المسلمة. والجيل المسلم والأجيال المسلمة من وراء حدود الزمان والمكان، ومن وراء فواصل الدم والنسب، والقوم والجنس؛ ويتجمعون أولياء- بالعقيدة وحدها- والله من ورائهم ولي الجميع: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}.
فالذين اتبعوا إبراهيم- في حياته- وساروا على منهجه، واحتكموا إلى سنته هم أولياؤه. ثم هذا النبي الذي يلتقي معه في الإسلام بشهادة الله أصدق الشاهدين. ثم الذين آمنوا بهذا النبي صلى الله عليه وسلم فالتقوا مع إبراهيم عليه السلام في المنهج والطريق.
{والله ولي المؤمنين}.
فهم حزبه الذين ينتمون إليه، ويستظلون برايته، ويتولونه ولا يتولون أحدًا غيره. وهم أسرة واحدة. وأمة واحدة. من وراء الأجيال والقرون، ومن وراء المكان والأوطان؛ ومن وراء القوميات والأجناس، ومن وراء الأرومات والبيوت!
وهذه الصورة هي أرقى صورة للتجمع الإنساني تليق بالكائن الإنساني. وتميزه من القطيع! كما أنها هي الصورة الوحيدة التي تسمح بالتجمع بلا قيود. لأن القيد الواحد فيها اختياري يمكن لكل من يشاء أن يفكه عن نفسه بإرادته الذاتية. فهو عقيدة يختارها بنفسه فينتهي الأمر.. على حين لا يملك الفرد أن يغير جنسه- إن كانت رابطة التجمع هي الجنس- ولا يملك أن يغير قومه- إن كانت رابطة التجمع هي القوم- ولا يملك أن يغير لونه- إن كانت رابطة التجمع هي اللون- ولا يملك بيسر أن يغير لغته إن كانت رابطة التجمع هي اللغة- ولا يملك بيسر أن يغير طبقته- إن كانت رابطة التجمع هي الطبقة- بل قد لا يستطيع أن يغيرها أصلا إن كانت الطبقات وراثة كما في الهند مثلًا. ومن ثم تبقى الحواجز قائمة أبدًا دون التجمع الإنساني، ما لم ترد إلى رابطة الفكرة والعقيدة والتصور.
الأمر المتروك للاقتناع الفردي، والذي يملك الفرد بذاته، بدون تغيير أصله أو لونه أو لغته أو طبقته أن يختاره، وأن ينضم إلى الصف على أساسه.
وذلك فوق ما فيه من تكريم للإنسان، بجعل رابطة تجمعه مسألة تتعلق بأكرم عناصره، المميزة له من القطيع!
والبشرية إما أن تعيش- كما يريدها الإسلام- أناسيّ تتجمع على زاد الروح وسمة القلب وعلامة الشعور.. وإما أن تعيش قطعانًا خلف سياج الحدود الأرضية، أو حدود الجنس واللون.. وكلها حدود مما يقام للماشية في المرعى كي لا يختلط قطيع بقطيع!!!
ثم يكشف للجماعة المسلمة عما يريده بها أهل الكتاب من وراء كل جدال وكل مراء. ويواجه أهل الكتاب بألاعيبهم وكيدهم وتدبيرهم على مرأى ومسمع من الجماعة المسلمة أيضا. وهو يمزق عنهم الأردية التي يتخفون تحتها، فيقفهم أمام الجماعة المسلمة عراة مفضوحين: {ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.
إن الإحنة التي يكنها أهل الكتاب للجماعة المسلمة هي الإحنة المتعلقة بالعقيدة. إنهم يكرهون لهذه الأمة أن تهتدي. يكرهون لها أن تفيء إلى عقيدتها الخاصة في قوة وثقة ويقين. ومن ثم يرصدون جهودهم كلها لإضلالها عن هذا المنهج، والإلواء بها عن هذا الطريق: {ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم}.
فهو ود النفس ورغبة القلب والشهوة التي تهفو إليها الأهواء من وراء كل كيد، وكل دس، وكل مراء، وكل جدال، وكل تلبيس.
وهذه الرغبة القائمة على الهوى والحقد والشر، ضلال لا شك فيه. فما تنبعث مثل هذه الرغبة الشريرة الآثمة عن خير ولا عن هدى. فهم يوقعون أنفسهم في الضلالة في اللحظة التي يودون فيها إضلال المسلمين. فما يحب إضلال المهتدين إلا ضال يهيم في الضلال البهيم: {وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون}.
والمسلمون مكفيون أمر أعدائهم هؤلاء ما استقاموا على إسلامهم وما لهم عليهم من سبيل. والله سبحانه يتعهد لهم ألا يصيبهم كيد الكائدين، وأن يرتد عليهم كيدهم ما بقي المسلمون مسلمين.
هنا يقرع أهل الكتاب بحقيقة موقفهم المريب المعيب: {يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}.
ولقد كان أهل الكتاب وقتها- وما يزالون حتى اليوم- يشهدون الحق واضحًا في هذا الدين. سواء منهم المطلعون على حقيقة ما جاء في كتبهم عنه من بشارات وإشارات- وكان بعضهم يصرح بما يجد من هذا كله وبعضهم يسلم بناء على هذا الذي يجده في كتبه ويشهده متحققًا أمامه- وسواء كذلك غير المطلعين، ولكنهم يجدون في الإسلام من الحق الواضح ما يدعو إلى الإيمان.. غير أنهم يكفرون.. لا لنقص في الدليل. ولكن للهوى والمصلحة والتضليل.. والقرآن يناديهم: {يا أهل الكتاب}.. لأنها الصفة التي كان من شأنها أن تقودهم إلى آيات الله وكتابه الجديد.
كذلك يناديهم مرة أخرى ليفضح ما يقومون به من لبس الحق بالباطل لإخفائه وكتمانه وتضييعه في غمار الباطل، على علم وعن عمد وفي قصد.. وهو أمر مستنكر قبيح!
وهذا الذي ندد الله به سبحانه من أعمال أهل الكتاب حينذاك، هو الأمر الذي درجوا عليه من وقتها حتى اللحظة الحاضرة.. فهذا طريقهم على مدار التاريخ.. اليهود بدأوا منذ اللحظة الأولى. ثم تابعهم الصليبيون!
وفي خلال القرون المتطاولة دسوا- مع الأسف- في التراث الإسلامي ما لا سبيل إلى كشفه إلا بجهد القرون! ولبسوا الحق بالباطل في هذا التراث كله- اللهم إلا هذا الكتاب المحفوظ الذي تكفل الله بحفظه أبد الآبدين- والحمد لله على فضله العظيم.
دسوا ولبسوا في التاريخ الإسلامي وأحداثه ورجاله. ودسوا ولبسوا في الحديث النبوي حتى قيض الله له رجاله الذين حققوه وحرروه إلا ما ند عن الجهد الإنساني المحدود. ودسوا ولبسوا في التفسير القرآني حتى تركوه تيهًا لا يكاد الباحث يفيء فيه إلى معالم الطريق. ودسوا ولبسوا في الرجال أيضا. فالمئات والألوف كانوا دسيسة على التراث الإسلامي- وما يزالون في صورة المستشرقين وتلاميذ المستشرقين الذين يشغلون مناصب القيادة الفكرية اليوم في البلاد التي يقول أهلها: إنهم مسلمون. والعشرات من الشخصيات المدسوسة على الأمة المسلمة في صورة أبطال مصنوعين على عين الصهيونية والصليبية، ليؤدوا لأعداء الإسلام من الخدمات ما لا يملك هؤلاء الأعداء أن يؤدوه ظاهرين!
وما يزال هذا الكيد قائمًا ومطردًا. وما تزال مثابة الأمان والنجاة منه هي اللياذ بهذا الكتاب المحفوظ؛ والعودة إليه لاستشارته في المعركة الناشبة طوال هذه القرون.
كذلك يعرض بعض المحاولات التي يبذلها فريق من أهل الكتاب لبلبلة الجماعة المسلمة في دينها، وردها عن الهدى، من ذلك الطريق الماكر اللئيم: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم}.
وهي طريقة ماكرة لئيمة كما قلنا. فإن إظهارهم الإسلام ثم الرجوع عنه، يوقع بعض ضعاف النفوس والعقول وغير المتثبتين من حقيقة دينهم وطبيعته.
يوقعهم في بلبلة واضطراب. وبخاصة العرب الأميين، الذين كانوا يظنون أن أهل الكتاب أعرف منهم بطبيعة الديانات والكتب. فإذا رأوهم يؤمنون ثم يرتدون، حسبوا أنهم إنما ارتدوا بسبب اطلاعهم على خبيئة ونقص في هذا الدين. وتأرجحوا بين اتجاهين فلم يكن لهم ثبات على حال.
وما تزال هذه الخدعة تتخذ حتى اليوم. في شتى الصور التي تناسب تطور الملابسات والناس في كل جيل.. ولقد يئس أعداء المسلمين أن تنطلي اليوم هذه الخدعة، فلجأت القوى المناهضة للإسلام في العالم إلى طرق شتى، كلها تقوم على تلك الخدعة القديمة.
إن لهذه القوى اليوم في أنحاء العالم الإسلامي جيشًا جرارًا من العملاء في صورة أساتذة وفلاسفة ودكاترة وباحثين- وأحيانًا كتاب وشعراء وفنانين وصحفيين- يحملون أسماء المسلمين، لأنهم انحدروا من سلالة مسلمة! وبعضهم من علماء المسلمين!
هذا الجيش من العملاء موجه لخلخلة العقيدة في النفوس بشتى الأساليب، في صورة بحث وعلم وأدب وفن وصحافة. وتوهين قواعدها من الأساس. والتهوين من شأن العقيدة والشريعة سواء. وتأويلها وتحميلها ما لا تطيق. والدق المتصل على رجعيتها! والدعوة للتلفت منها. وإبعادها عن مجال الحياة إشفاقا عليها من الحياة أو إشفاقا على الحياة منها! وابتداع تصورات ومثل وقواعد للشعور والسلوك تناقض وتحطم تصورات العقيدة ومثلها. وتزيين تلك التصورات المبتدعة بقدر تشويه التصورات والمثل الإيمانية. وإطلاق الشهوات من عقالها وسحق القاعدة الخلقية التي تستوي عليها العقيدة النظيفة لتخر في الوحل الذي ينثرونه في الأرض نثرًا! ويشوهون التاريخ كله ويحرفونه كما يحرفون النصوص!